حي الشيخ جراح - الهوية الفلسطينية الضائعة (المحامي ضياء الدين زيبارة)


 


المحامي ضياء الدين زيبارة

باحث في القضايا العقارية والأوقاف

 

شغلت قضية حي الشيخ جراج ومحاولة الإحتلال انتزاع هذه البقعة من سكانها المقدسيين العالم بأسره . *فما هي الهوية العقارية والجغرافية والتاريخية لهذا الحي ؟* 

يقع حي الشيخ جراح شمالي القدس القديمة ، يحده شرقا ما اصطُلح على تسميته القدس الشرقية وغربا القدس الغربية ، وانطلاقا من موقعه الاستراتيجي هذا ، يسعى الكيان الغاصب الى انشاء حزام استيطاني  في الحي بعد تهجير اهله ومالكيه منه ، وبالتالي ضمه للقدس الغربيه .

 

*تاريخ تسمية هذا الحي؛* 

يعود تاريخ تسمية الحي الى العام ١٩٥٧ ، تاريخ توقيع اتفاقية بين الحكومة الأردنية والأنروا ، موضوعها  إسكان ٢٨ عائلة فلسطينية لاجئة في الحي بعدما هجروا من أراضيهم إبان النكبة عام ١٩٤٨ ، قضت الإتفاقية في البند رقم ١١ منها " انه بعد مرور ثلاث سنوات على سكن هذه العائلات في الحي تصبح البيوت التي سكنوا ملكا لهم " .

عام ١٩٧٢ ، وانطلافا من مخططات الجمعيات الاستيطانية الصهيونية في التوسع ،  ادعى بعض المستوطنون امام قضاء الاحتلال ملكيتهم لعقارات الحي بالشراء من تلك الجمعيات ،  تم تجميد القضايا في ذلك الحين بعد تدخل من الأنروا ،  ثم أعيد السير بالدعاوى في العام ٢٠٠٨ وصدور احكام تقضي باثبات الملكية للجميات الإستيطانية .


 *حيثيات الملكية العقارية* 

يزعم المستوطنون انهم يملكون وثائق قديمة تعود لاجدادهم منذ العام ١٨٨٥ تفيد انهم اشتروا ما مساحته ١٩٠٠٠ م م ( ١٩ دونما ) من الأراضي في الحي من جمعيات استيطانية لا سيما لجنتي اليهود الأشكيناز واليفارديم  . 


 *كيفية دحض هذه المزاعم وإثبات ملكية الفلسطينين لعقارات الحي* 

 *أولا : من خلال الإتفاقية المشار اليها أعلاه* التي وقعت عام ١٩٥٦ بين الحكومة الاردنية والانروا ، يتأكد ملكية الفلسطينيين لهذه العقارات ، حيث تمت الإتفاقية في ظل سلطة الإحتلال وليس فقط بعلمها بل بموافقتها ، فلو كان المستوطنون يملكون شبرا واحدا لما تم تمرير هذا الاتفاق .  

وفي العام ٢٠١٩ زودت الحكومة الاردنية سفارة فلسطين لديها بكامل الوثائق والمستندات الثبوتبة. 

 *ثانيا: الأرشيف العثماني( الطابو التركي )* 

 معلوم ان الإمبراطورية العثمانية التي حكمت فلسطين ( وغيرها ) في الأعوام ما بين 1516- 1917، نظمت وثائق التسجيل العقاري ، وفي هذا السياق يتيح الأرشيف العثماني للفلسطينيين ، تفعيل إثبات ملكيات أراضيهم وعقاراتهم بشكل أكثر ، خاصة في ظل الأطماع الإسرائيلية. 

وبالفعل فقد تقدمت مؤسسة "ميثاق" التابعة لوزارة الاوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، بطلب للحصول على الأرشيف العثماني ، وتطور الأمر بعد ذلك إلى توقيع بروتوكول بين المؤسسة ومديرية الأرشيف العثماني في إسطنبول ، وتم الحصول على رزمة من الوثائق والمخطوطات العثمانية ذات الصلة بفلسطين وفق ذلك البروتوكول ، ومن أهم النجاحات ، تلك المتعلقة بأراضي الوقف الإسلامي ، إذ استطاعت الوثائق إزالة الضبابية عن ملكية الأوقاف فأثبتت ما هو للأوقاف ، وأعادت أراضي لأصحابها كان يعتقد أنها للأوقاف الإسلامية .

وعلى مستوى الاستيطان ، فإنّ مجموعة من الوثائق سلمت لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان تثبت أن بعض الأراضي ملكيات خاصة وبعضها ملكية وقفية ، وليست أراضي دولة كما يدعي الاحتلال .

ومن وجهة نظر قانونية ، فإن الجمعيات الإستيطانية تزعم شراؤها للعقارات عام ١٨٨٥ ، في حين أن الإحتلال العثماني انتهى عام ١٩١٧ ، أي بتاريخ لاحق لزعمهم بأكثر من ثلاثين عاما ،  فلو صح ذلك لكان تم تسجيل الشراء في سجل الطابو وبالتالي نقل الملكية الى أسمائهم.  


 *ثالثا : وتاريخيا -* بحسب بعض المراجع  فإن أقدم الإشارات التي وردت عن حي الشيخ جراح ، أو الشيخ جراح نفسه ، جاءت من القرن الميلادي السادس عشر.

فقد ورد في  كتاب : "الأُنس الجليل في تاريخ القدس والجليل" ويعرف بتاريخ الحنبلي ، إنه رأى زاوية في القدس، باسم الزاوية الجراحية ، وتقع بظاهر القدس ، من جهة الشمال كما حددها، وأضاف: "ولها وقفٌ ووظائف مرتبة ونسبتها لواقفها الأمير حسام الدين الحسين بن شرف الدين عيسى الجراحي".

وأضاف الحنبلي ، أن الجراحي المذكور ، هو أحد أمراء الملك صلاح الدين الأيوبي ، محدداً وفاة صاحب الوقف الجراحي ، سنة 598 للهجرة ، مؤكداً أنه دفن في تلك الزاوية ، وأن هناك عدداً من المدفونين في جهتها القبلية ، قد يكونون من جماعة الجراحي "والله أعلم" كما ختم صاحب الأُنس الجليل .


 *ختاما ؛* إن الهوية العقارية والجغرافية والتاريخة لحي الشيخ جراح ، تثبت بما لا يقبل الشك أنه ملك للفلسطينين ، وإن التراخي بعض الشيء في تكريس اثبات الملكية خلق بابا للإحتلال دَعَّمَه بسلطته القضائية والعسكرية ، لمحاولة سلخ ملكية الحي عن طريق التزوير مدعوما بالتسلط ، لأجل خلق واقع جغرافي وقد يمتد لواقع شرق اوسطي. 

إن الدول والشعوب العربية جميعها دون استثناء ،  مطالبون بنصرة هذه القضية تحديدا ، تمهيدا لنصرة القضية الفلسطينية بعدما تم بيعها في أرخص الأثمان. 

 *[ إن القدس هي قبلتنا وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا ومعراج رسالتنا ، إنها قدسنا وقضيتنا ، وجهاد الفلسطينيين في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا ] الإمام القائد السيد موسى الصدر*

Share this

Related Posts

Previous
Next Post »