المحامي الدكتور ضياء الدين محمد زيباره
من تضخيم قوة العدو الصهيوني ، الى تحطيم أحلام اسرائيل وصورة العدو الذي لا يُهزم .
من مقولة قوة لبنان في ضعفه ، الى نظرية قوة لبنان في مقاومته .
من انعدام التوزان بين مكونات النسيج اللبناني وغلَبة مُكَوّن على آخر ، الى المساواة بين الجميع والمشاركة في القرار السياسي والإداري والوظيفي .
هذه هي حركة أمل بعد أن جاء من أقصى المدينة رجل يسعى اسمه الإمام السيد موسى الصدر وبعد أن أكمل مشروعه الرئيس المُعَلم نبيه بري .
عام 1975 أطلق الإمام الصدر أفواج المقاومة اللبنانية (أمل) محدداً هدفها :
[ نحن نريد الجنوب صخرة تتحطم عليها أحلام اسرائيل ، وتكون نواه تحرير فلسطين وطليعة المحاربين ضد اسرائيل ] ( من كلام لسماحته بتاريخ 15\4\1974) مستعينا بكلام أمير الكلام (ع) [ ما همُنا أوَقَعنا على الموت أم وقع الموت علينا ] ليشكل انطلاقة جديدة للمقاومة مقرونة بالإيمان بالله وحتمية النصر.
كان لحركة أمل عدة محطات مفصلية أسّست لنوع جديد من الصراع العربي الإسرائيلي وغيّرت وجه لبنان وحمَت السلم الأهلي ، من معركة خلدة البطولية الى اتفاق الطائف ( وثيقة الوفاق الوطني ) ، لعل أهم هذه المحطات انتفاضة 6 شباط 1984 .
بعد الإجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢ بدأت المشاورات والإتصالات العلنية مع العدو الصهيوني لوضع مسودة اتفاق ١٧ أيار ١٩٨٣ ، لكن حركة أمل بقيادة الرئيس نبيه بري كانت في المرصاد ، فعمدت مع خلفائها - لا سيما الحزب التقدمي الإشتراكي والرئيس سليمان فرنجية - الى قيادة ثورة مضادة عرفت " بانتفاضة ٦ شباط ١٩٨٤".
في ذلك التاريخ حققت الحركة هدفان :
الأول : إخراج لبنان من الفلَك الإسرائيلي الى عروبية الهوية والإنتماء وتكريس مشروع المقاومة الذي خطط له الإمام الصدر ، ومن " لبنان لبعض ابنائه " الى " لبنان لجميع ابنائه " ، وبالتالي التمسك بالمقاومة وسلاحها ورفض الدعوات التي تُنفِذ إملاءات خارجية تتعلق بنزع السلاح الذي حمى لبنان من أخطار متعددة ، فلولا إنتفاضة 6 شباط 1984 ما كنا سمعنا ب تحرير 25 أيار ٢٠٠٠ .
الثاني : رفع الظلم عن شريحة واسعة من اللبنانيين والمساواة في المواطَنة بعد أن كانت الدولة وبعض أجهزتها تُميز بشكل فئوي بين اللبنانيين .
فبعض البيروتيين نزلوا بالسكاكين لمواجهة الحكم . شدة الظلم والقهر خلقت حالات ململة في وسط الحكم تُرجم بانشقاق اللواء السادس من الجيش اللبناني والتحاقه بقوات "حركة أمل " وشكل هذا ، البعد التقني واللوجستي - وهو بعد مهم - في سير العمليات .
هذه الأبعاد كانت تتفاعل فيما بينها منتظرة الشرارة الاخيرة التي ولّدت الانفجار الكبير . أضف الى ذلك ان هذه الأبعاد المتراكمة منذ بدايات الحرب الأهلية وحتى قبلها "خصوصا الحرمان الشيعي" تفاعلت كلها وإختُزلت في منظومة واحدة اسمها حركة امل بشخص نبيه بري الذي أدرك كيف يتفاعل مع هذه الأبعاد ويوظفها في قالب واحد كان اسمه انتفاضة السادس من شباط ١٩٨٤ متعاونا مع القوى البيروتية المحلية والحزب التقدمي الاشتراكي .
حصلت الإنتفاضة وهُزِم الحكم وانهارت اتفاقية ١٧ايار وبدأت ملامح وجه لبنان الجديد [ مقاومة اسرائيل ومشاركة الطائفة الشيعية في الحكم والقرار السياسي ] .
هذا بعض ما قدمته حركة أمل للبنان ولمجتمعها ، بتضحيات شبابها وبصيرة إمامها وحكمة رئيسها . سُجِّل لحركة أمل أنها أول تنظيم سياسي عربي يسقط إتفاق إسرائيلي عربي بقوة السلاح وهذه حقيقة راسخة ولها مدلولات وووحدها إسرائيل تعرف ماذا حل بها جراء إنهيار هذه الإتفاقية . فالإنتفاضة كانت مقدمة لتنظيف بيئة الوطن السياسية والإجتماعية لبناء بيئة حاضنة قوية للمقاومة.