"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
حيثُ لا يجرؤُ العِلمانيّون غطسَ مهندِسُ الإعتِدال نبيه برّي في بحَيرَةِ الدولَةِ المَدنيَّة. لَم يأخذ معهُ أي فوّاشَة نَجاة. هوَ يسبَحُ وسطَ تلاطُمِ الدولَة المَدَنيَّة منذُ أكثَر مِن خمسينَ سَنَة حتّى قبلَ تَوزيرِه في الثّمانينات. أمرٌ إستِثنائيٌّ أن تَكونَ مسؤولاً في لبنان بِموقِع الرّئيس برّي وأن تفصِل بينَ تشيّعِكَ لِمذهَب وتحيّزِكَ للدولَة. لَطالَما أرَدنا التّصديق أنَّ العَقل الإستراتيجي المَسيحي هوَ الذي طرَح الدولَة المَدنيَّة بادِئاً ذي بِدء.
قيلَ لَنا منذ نِصف قَرن أنَ طَرحَ " المَدَنيَّة " كانَ يُقابَلُ بإلغاءِ الطائفيَّة السياسيَّة عندَ المسلِمين. عَندَما كانَ يعودُ العَقلُ المسيحيُّ إلى مخدَعِه كانَ يقرِّشُ حساباتَ طَرحِه فَيَجِدُ في نِهايَة الإحتِساب أنَّ إلغاءَ الطائفيَّةِ السياسيَّةِ يُلغيه. كانَ يُسارِع دَوماً إلى سَحب علمانيَّة الدّولَة مِن التّداوُل بِحجَة شعورِه بالأقليَّة العَدديَّة. الرّئيس برّي مَسيحي في السياسَة. تشيُّعُهُ صدفَة وِلادَة. عَلمانيَّتُه خَيار بالممارَسَة.
هَل يمكِنُ رؤيَة عَدَدِ البَوارِجِ الحَربيّةِ وناقِلاتِ الطائراتِ مِن سطحِ قصرِ عينِ التّينَة؟ مِن الطّوابِقِ العُليا مِن مَكانِ إقامَةِ الرّئاسَةِ الثانية يمكِنُ لرئيس مجلِس النوّاب مِن عقدِه الثامِن الطّاعِن في الإعتِدال أن يشاهِدَ بأمِّ العَين زَحمَةَ بَوارِج في مياهِنا الإقليميَّة. ترفَعُ كلُّها أعلامَ المُساعَدات الإنسانيَّة. يعرِفُ العَتيق في السياسَة اللبنانيَّة أنَّ الزّحمَةَ الحَقيقيةَ زحمَةُ أنابيبِ غازٍ وبِترول. باستِطاعَة أيِّ مُتابِعٍ جَدّي أن يتنشَّقَ رائِحَةَ الغاز في بيروت. تَكادُ رائِحتُه تَطغَى عَلى تلك التي فاحَت مِن نيترات الأمونيوم. جاء الفَرنسي ثمّ تَبِعَه الأميركيُّ للتأكيدِ على ترسيمِ الحدودِ البحريَّة. الرئيس برّي يحمِلُ مَفاتيحَ البَحر. تصيَّدَ فيهِ كلَّ السّمَكِ الصّهيوني مَدعوماً مِن القوة الناريَّة للجيش والمقاوَمَة. جاءوا ليحلّوا خلافاتِهم الدوليَّة عَلى طَريق الغاز عند الرئيس برّي. كَان هناك منذُ أيام مناوَشات رشّاشَة بين قارِبٍ تركي وآخَر يوناني. تتمُّ الآن مفاوَضات لِوَقف إطلاق النار برعايَة رئيس البَرلمان اللبناني.
لا يمكِنُ تَسجيل ضربَة جَزاء في مرمَى الرئاسَة الثانيَة. مطرقَتُها تسيِّرُ المَجلِس بِمَن حَضَر. تَمنّى بِرّي الشِّفاء العاجِل لأحَد أعزّ أصدِقائِه مَروان حمادِه . لَم يمنعهُ دعاؤُهُ الصّادق مِن قبول إستِقالَة صَديقِه. وصَلَت الرّسالَة سَريعاً إلى مِعراب وبيت الوَسَط والمختارَة. المَجلس آخِر مَعاقِل السيادَة الدّستوريَّة. بعد برّي خذوه أنّى شِئتُم. أخطفوه واطلبوا فديَةً لتفكّوا أسرَه إنّما بعدَ أن يستَريحَ حارِسُهُ. إحَدى مَظاهِر الهَجمَة " الثوريّة " عَلى حائِط المَجلس النيابي رغبَةُ عَناكِب أجنبيَّةٍ بالتخلّص مِن مُفاوِضٍ شَرِس. تمَّ تَوظيفُ قَراصِنَةٍ مياوِمينَ برواِتبِ الحَدّ الأدَنى للأُجور. الأُجور لِكل مأجور هي بِمثابَة بِطاقَة لِخَلعِ باب المجلِس النيابي. كانَ المأمولُ مِن رئيس أَمَل إظهارَ قَدرٍ أكبَر مِن المُرونَة على كميّاتِ الغاز والنّفط. تمَّ إطلاقُ وعودٍ بِحِصَصٍ مستَقبليَّة لِكل شَريك داخِلي يحرِّض بِحجَّة وطنيَّة. ما أكثَر التّحريض بِحججٍ وطنيَّة في لبنان.
هذا المَجلِس سيَنتَخِب رئيساً جَديدا للبنان. سيكون مُجدِياً لِمَن يمّمَ عَلى شَواطئ ميناء بيروت أن يعدِّلَ في مَهامِ بحّارَتِه. جاءوا لِيقطفوا ثِمارَ التنازل فإذا بِهِم يصطَدِمون بأسطول تَفاوضي كَامِل العِتاد في عينِ التينَة. لا تَقصير لوِلايَة المَجلس. لا إنتخابات نيابيَّة مبكِرَة. ليسَت هذه مَخارِج الأزمَة. الأزمَة اللبنانيَّة تتعلَّق بالهويَّة. لبنان أوقَعَ بِطاقَة هويّتِه وهو في رِحلَة منذ مئِة عام تَقريباً. يَقضي لبنان معظَم وقتِهِ في التفتيش عَن هويَّتِه الضائِعَة. كلام الرئيس برّي عَن دولَة مَدنيَة يمكِن أن يَكون إفتتاحيَّة ملائِمَة للمئويَّة الأولَى للبنان الكَبير. لبنان الصَّغير الذي أضاعَ أوراقَه الثبوتيَّة عَلى قارِعَة الاُمَم الغَريبَة يقرَعُ بابَ عين التينَة. بَدَل التلهّي بعبارات سياديّة وأغانٍ وطنيَّة وهيَ مفيدَة على أيّة حال فلنَذهَب ونَحمِ بلدنا. بَوارِج صَديقَة تتكاثَرُ في البَحر ولَكِن ما همّ لبنان مِن هَديرِها!